عندما يولد الطفل، فهو لا يفهم كيف يجب أن يتصرف، وتكون الانضباط والأخلاق مصطلحات غير مألوفة له. إن التربية الصحيحة هي التي تشكل شخصية الطفل. يلعب نوع التربية دورًا حيويًا، وأسلوب التربية المستبد يمكن أن يؤثر على طفلك بعدة طرق.
ما هو النمط الاستبدادي للتربية؟
التربية الاستبدادية تحول الأسرة إلى إمبراطورية حاكمة حيث يحتاج الأطفال إلى الالتزام برغبات الوالدين. يطلب الآباء المستبدون الكثير من أطفالهم ويضعون توقعات عالية لهم، ولكن نادرًا ما يتم استكمال ذلك بالدعم، أو التوجيه، أو الرعاية، وبدلاً من ذلك يواجه الطفل الرفض المستمر أو التعليقات السلبية حول سلوكه.
ما هي خصائص التربية الاستبدادية؟
فيما يلي بعض الخصائص التي يظهرها الآباء المستبدون.
١. الالتزام بالقواعد والتوقعات بطريقة صارمة
يريد مثل هؤلاء الآباء أن ينمو أطفالهم بالطريقة التي يخططون لها تمامًا. يكون طرح الأسئلة من الطفل انحراف لذلك وتقليل من قيمة سلطة الوالدين. ويعتقد هؤلاء الآباء أنهم وحدهم من يعرفون الطريقة الصحيحة لتربية أطفالهم، وليس للطفل رأي في هذا الأمر، ولا يتركون مجال للمتعة والمرح وتصبح الحياة أشبه بالعيش في ظل نظام دكتاتوري حيث يجب اتباع أوامر الآباء.
٢. فرض العقوبة على الأخطاء أو خرق القواعد
أي خطأ يتم ارتكابه أو تجاوز أي حدود يؤدي إلى معاقبة الطفل بشدة. لا يُسمح للطفل بالتعبير عن جانبه لأن ذلك يعتبر غير مهم من قبل الوالدين، والنتيجة هي كل ما يهم، ويعاقب الطفل إذا ارتكب أي خطأ.
٣. عدم الرد على أسئلة أو طلبات الطفل
الشيء الوحيد الذي يفترض أن يفعله الطفل هو الالتزام بما يطلب منه ويتوقع منه دون فشل. تعتبر أي محادثات أخرى غير مهمة ولا يتم قبولها، وحتى عندما ينجح الطفل في الالتزام بجميع التوقعات، فإن ردود الفعل ستظل تتمثل في توقع الكثير في المرة القادمة، دون أي ثناء أو اعتراف بالإنجاز الحالي.
٤. الانفصال عاطفياً عن الحب الأساسي للطفل
ينظر الآباء المستبدون إلى تربية الطفل بنفس الطريقة التي ينظر بها مدير الحلبة إلى ترويض حيوان بري. لا يوجد أي ارتباط عاطفي من أي نوع، وكل ما يركز عليه الآباء هو التأكد من أن الطفل يستمع لأوامرهم ويصبح ناجحًا. إن التعبير عن أي مشاعر أو تكوين روابط عميقة من الثقة والرعاية غير مهم، ويتم تجاهل الاحتياجات العاطفية للطفل، والتحكم في السلوك من خلال الوعد بالحب الذي نادراً ما يظهر.
٥. غياب أي مظهر من مظاهر الاختيار للطفل
ولا توجد سبل متاحة للطفل لممارسة رأيه أو اختياراته، حتى في الأمور البسيطة مثل اختيار اللعبة التي يرغب بها، أو ما يرغب في تناوله من طعام. ينظر الآباء إلى الطفل بازدراء باعتباره كيانًا أدنى لم يصل بعد إلى المستوى الذي حددوه له. من المفترض ببساطة أن يواكب الطفل ويتوافق مع كل ما يطلب منه أو يقدم له.
آثار التربية الاستبدادية على الأطفال
يؤثر الأسلوب الاستبدادي للتربية على الأطفال بطرق مختلفة سواء ذهنياً وعاطفياً واجتماعياً. تعرف بالتفصيل على تأثير التربية الاستبدادية على الأطفال:
التأثيرات الوجودية
- يعاني معظم الأطفال الذين ينشؤون في ظل أسلوب التربية الاستبدادية من تدني احترام الذات وقضايا الدونية، نظرًا لأن آرائهم لا يتم تقديرها أو الاعتراف بها أبدًا في المنزل، فيبدأ الطفل في الشعور بأن الشيء نفسه ينطبق على العالم الخارجي أيضًا.
- إن طبيعة المعاملات للأسلوب الاستبدادي في التربية هي حيث يتم الاعتراف بقيمة الطفل فقط عندما يقابل بعض التوقعات أو يتصرف بطريقة معينة. عندما يفشل الطفل في القيام بذلك، يبدأ في التفكير في نفسه بأنه ليس جيد بما فيه الكفاية وسيؤدي ذلك إلى حاجة ملحة لتحقيق الكمال.
- إذا حاول شخص ما إظهار المودة له أو حاول أن يكون صديقًا له، فسوف يشعر دائمًا أن هؤلاء الأشخاص لديهم أجندة خفية ويتوقعون شيئًا منه. سيؤدي ذلك إلى عدم قيامهم بإقامة العلاقات بسهولة أو وضع قيمة لكل علاقة.
- وبما أن الآباء المستبدين يعطلون إمكانية الاختيار وتكوين الآراء في وقت مبكر من الحياة، فإن هؤلاء الأطفال يفشلون في التعرف على احتياجاتهم الخاصة أو مشاعرهم الداخلية بشأن ما يريدون القيام به أو ما يحبون. إن ممارسة إرادتهم أو الاستماع إلى هذا الصوت الداخلي هي ظاهرة نادراً ما يعرفها هؤلاء الأطفال.
- إنهم لا يفهمون كيفية تحمل المسؤولية بأيديهم وقيادتها بنجاح. ينتهي الأمر بمثل هؤلاء الأطفال إلى حب المؤسسات والأنظمة القائمة على السلطة الهرمية، حيث يرضيهم اتباع الأوامر تمامًا ويشعرون أنهم سيكونون آمنين ومقبولين.
- يؤدي هذا القبول للأنظمة الاستبدادية إلى جعل الأطفال يخضعون بطبيعتهم. سوف يخشون تجربة أشياء جديدة أو تجربة تقنيات أحدث، وبدلاً من ذلك، يفضلون البقاء في بيئة تتسم بالصرامة والقواعد.
التأثيرات الذهنية
- نظرًا لأن الطفل إما يُكافأ أو يُعاقب على سلوكه، فإن معظم الأطفال يكبرون مؤمنين بطبيعة العالم بالأبيض والأسود. إنهم يفشلون في رؤية التعقيدات والاختلافات الموجودة في الطبيعة وفي الناس.
- نظرًا للنظرة الضيقة للحياة، نادرًا ما يكون لدى هؤلاء الأطفال طرق تفكير أو فلسفات خاصة بهم لعيش حياتهم. إنهم ببساطة يلتزمون بما تعلموه، ويلجئون إلى عيش الحياة بشكل تقليدي دون إفساح المجال لأية آراء جديدة.
التأثيرات العاطفية
- نظرًا لأن إظهار أي مشاعر قوية يؤدي إلى عواقب وخيمة، فإن هؤلاء الأطفال يعيشون في حالة إنكار ويكبتون مشاعرهم في الداخل دون إظهارها. إنهم يميلون إلى تكوين شخصية سطحية ميتة عاطفياً وكبت مشاعرهم الحقيقية.
- بعد أن يتعلم الطفل أن وجود مثل هذه المشاعر أمر سيء، فإنه يبدأ في النظر إلى نفسه كشخص شرير وقد يطلق العنان لإحباطاته للخارج في حالة من الغضب، أو ينفجر داخليًا ويؤدي ذلك إلى الاكتئاب.
- وهذا يسبب مشاكل في بناء علاقات عاطفية حميمة في وقت لاحق من الحياة لأنه ينظر إلى كل شيء على أنه صفقة وكل شخص لديه خطة مخفية.
- يشعر هؤلاء الأطفال بالقلق دائمًا بشأن سلوكهم ويعيشون في ضغط دائم ليكونوا على صواب طوال الوقت. إنهم يشعرون وكأن عينًا غير مرئية تراقب كل تحركاتهم وتنتقد تصرفاتهم بشدة.
- ثم يبدأ هذا النقد الذاتي الشديد في الظهور داخل أنفسهم على شكل عار وذنب. إذا انتهى بهم الأمر إلى العقاب، فإنهم يتفقون على أنهم سيئون بطبيعتهم وليس هناك وسيلة إنقاذ من ذلك.
التأثيرات الاجتماعية
- يفشل الأطفال الذين تعرضوا للتربية الاستبدادية في تكوين صداقات جيدة أو علاقات حميمة طويلة الأمد. إنهم ينظرون إلى كل شيء على أساس القيمة وما يمكنهم الحصول عليه من الشخص الآخر.
- يبدأ الطفل في النظر إلى القوة، وخاصة القوة البدنية، باعتبارها الأداة النهائية للنجاح. إن إظهار القوة على الضعفاء يساعده على الشعور بالرضا عن نفسه.
- إنهم يزدهرون في أسلوب السلطة الهرمي ويحاولون تقليده داخل أسرهم لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يعرفون بها كيفية العمل في سياق اجتماعي.
- على النقيض من ذلك، قد يجد بعض هؤلاء الأطفال أن كسر القواعد أمر مثير ويجدون أنفسهم مرتبطين بعناصر معادية للمجتمع تخالف القواعد وتعيش حياتهم من خلال عدم احترام أي نوع من السلطة.
- وبالتالي، فإن هؤلاء الأطفال ينتهي بهم الأمر إلى الحصول على فرصة أكبر للتعرض لتعاطي المخدرات والتورط في الجرائم.
كيف يؤثر ذلك على الوالدين؟
يتصرف معظم الآباء بنفس الطريقة التي يتصرف بها آباؤهم معهم. إنها حلقة مفرغة تنتقل من جيل إلى جيل. في بعض الحالات، قد يكبر بعض الأطفال مدركين مدى سوء أسلوب التربية هذا، وبدلاً من ذلك، يقومون بتربية أطفالهم بالطريقة الصحيحة.
أسلوب التربية الاستبدادية مقابل التربية الحازمة
قد يبدو أن هناك تشابه، ولكنهما مختلفان تمامًا عن بعضهما البعض. يستخدم الآباء المستبدون قواعد صارمة ويكسرون شخصية الطفل في محاولة لتربيته.
كما يفعل الآباء الحازمون ذلك أيضًا، ولكنهم يكملون ذلك بالحب الحقيقي. قواعدهم وتوقعاتهم تكون مرنة لتناسب سلوك الطفل. حتى عندما يعرفون أنهم على حق، سيظلون يسمحون للطفل بالتعبير عن جانبه ثم يشرحون سبب عدم صحته، كما يتم تطبيق العقاب، ولكن بطريقة تعلم الطفل بدلاً من جعله يعاني بسببه.
هل التربية الاستبدادية أفضل وسيلة لتربية الأطفال؟
هناك عدد كبير من الدراسات لا يتفق مع هذا النمط من التربية. على الرغم من أن الآباء قد يشعرون بشكل شخصي أن طفلهم يكبر بالطريقة الصحيحة، إلا أنه في سياق اجتماعي أوسع، وسياق فردي أطول، ينتهي الأمر بالطفل إلى الانزعاج ويؤدي إلى مشاكل في وقت لاحق من الحياة.
نصائح لتغيير أسلوبك في التربية
أسلوب التربية الاستبدادي لا يفيد الأطفال. ينتهي الأمر إلى شعور الطفل بالحزن والخوف، ومن ثم، يجب على الوالدين اعتماد أسلوب تربية يشعر من خلاله الأطفال بالأمان وعدم الخوف من مشاركة أي مشكلة. إذا كنت تتبع الأسلوب الاستبدادي في التربية، فإليك بعض النصائح لتغيير أسلوبك وتربية أطفالك بالحب.
١. لا تصبح والدًا محبًا على الفور منذ اليوم الأول، لن يدرك طفلك هذا وقد لا يثق بك أكثرو قم بالتغيير تدريجياً.
٢. كن صبوراً مع طفلك عندما يخطئ. إذا رأيت أن غضبك يتصاعد، فخذ قسطًا من الراحة ثم عد إلى المسألة المطروحة لاحقًا.
٣. ابدأ بالاستماع إلى طفلك. شجعه على التحدث معك ببطء. قد لا يكون معتادًا على ذلك وسيستغرق بعض الوقت حتى يتمكن من إخبارك بالأشياء ويثق بك.
٤. دعي طفلك يرتكب الأخطاء. بدلًا من جعله يشعر بالذنب، اسأليه لماذا يعتقد أن الخطأ قد حدث. اعملي معه على السماح له بتعلم كيفية تجنب حدوث ذلك مرة أخرى. عانقيه وأخبريه أنك تثقين به.
٥. لا تكن والداً جاداً طوال الوقت. حافظ على توازن الحزم مع الود لطفلك، كن أكثر من شخصية ترشد وتستمتع أيضًا.
مما لا شك فيه أن تربية الأطفال بالطريقة الصحيحة تمثل تحديًا، ويحتاج الأطفال إلى الانضباط من وقت لآخر. لكن القيام بذلك بالطريقة الصحيحة أهم بكثير من مجرد التربية. يكبر الأطفال تمامًا كما شكّلهم آباؤهم، ومع طرق التربية الصحيحة، سينتهي بهم الأمر إلى جعلك فخورًا، وسيكونون أيضًا فخورين بأن لديهم آباء مثلك.
اقرأ أيضا:
السلوك العدواني عند الأطفال – الأسباب والنصائح للتعامل معه
كيفية تعليم الأطفال مشاركة الأشياء
الآثار السلبية لضرب الأطفال